أن أعداءنا يعلمون أن الأسلام هو عدوهم الأكبر. لقد علمهم التاريخ القديم والحديث أن شعبنا إذا عرف طريقه إلى الأسلام الصحيح فقد آذن سلطانهم بالزوال، وهم لا يخشون الأسلام »المستأنس« الذى لا شوكة له، وإنما يخشون الأسلام الحركى المناضل الذى يعبىء قوى المسلمين كلها ويضم صفوفهم فى مواجهة عدوهم.
ولما كانت دعوتكم أيها الأخوان تمثل التجمع الحركى الكبير الذى يقف فى وجه هؤلاء الأعداء ويهدد بافساد كل مخططاتهم، فقد كان من الطبيعى أن يوجهوا إليها كل أسلحتهم، وألا يدعوا سبيلا لحربها والقضاء عليها ألا اتبعوها.
ولا شك أن من أخطر الوسائل التى يلجأ إليها هذا العدو الماكر أن يفتت هذه الدعوة من داخلها، حتى لا تواجهه إلا وهى مفرقة ممزقة، وخير ما يعينه على ذلك فقدان الثقة بين الجند والقائد، فإن الجنود إذا فقدوا الثقة فى قيادتهم اهتز فى نفوسهم معنى الطاعة، وإذا فقدت الطاعة لم تعد هناك قيادة ولا جماعة.
من أجل ذلك حرص الأمام البنا فى رسالة »التعاليم« على أن يجعل بند »الثقة« ركنًا من أركان البيعة العشرة التى يبايع الأخوان على أساسها، وأبرز لأخوانه أهمية هذا الركن فى المحافظة على تماسك الجماعة ووحدتها حيث يقول:
».. ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وأحكام خططها، ونجاحها فى الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب (فأولى لهم طاعة وقول معروف).. والثقة بالقيادة هى كل شىء فى نجاح الدعوات«.
ولا يلزم كى نولى القائد ثقتنا أن يكون هذا القائد أقوي الناس وأتقى الناس وأعلم الناس وأفصح الناس، فذلك مطلب عسير، لا نحسبه تحقق للكثيرين بعد رسول الله <، وأنما يكفينا أن أخوانه أعتبروه أقدرهم على حمل هذه الأمانة الثقيلة فكلفوه بها، فإذا أفترضنا أن أحد الأخوة رأى فى نفسه، أو رأى منه غيره، موهبة أو ملكة لم تكن عندما قادته.. فلتوضع هذه الملكة تحت تصرف القيادة حتى تكون عونًا لقائدة لا حربًا عليه وعلى الجماعة. ولعلك يا أخى تذكر ما دار بين أبى بكر وعمر بعد وفاة رسول الله >، حيث قال عمر لأبى بكر: أبسط يدك أبايعك، فقال أبو بكر: أنت أقوى منى. وهنا قال عمر: قوتى لك كع فضلك. أجل، فقوة الجندى المؤمن أنما تكون لصالح القيادة والجماعة ولا تكون ضد القيادة والجماعة. ولقد صدق عمر فى ذلك، فقد كانت قوته دائما من وراء أبى بكر.. كان يعينه ويشد أزره ويوليه ثقته.
من أجل هذا المعنى كان جواب الإمام البنا لمن سأله: إذا حالت الظروف بينك وبين أن تكون بيننا، فمن تنصمنا بأن نوليه علينا أن قال: يا أخوان، أجعلوا عليكم أضعفكم، ثم اسمعوا له وأطيعوا، فسوف يكون بكم أقوالكم.
ولقد كان عمر لشدة ثقته فى قائده يختلف معه فى الرأى أحيانًا، فأذا رآه مصرًا على رأيه تنازل هو عن رأيه مسلمًا بأن رأى أبى بكر أعظم بركة من رأيه، ولعلك يا أخى تذكر كيف أختلف عمر مع أبى بكر فى شأن مانعى الزكاة، وكان جل صحابة رسول الله > يرمون رأى عمر فى عدم قتالهم، ومع ذلك فإن عمر ما كاد يرى أبا بكر مصرًا على قتال مانعى الزكاة حتى قال قولته المعروفة التى تعبر عن ثقته الكاملة »فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق«.
ولم لم يكن عمر على هذا المستوى الكريم من الثقة والطاعة لسولت له نفسه أن الحق معه هو، فقد سمع رسول الله > يقول »جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه«. وما أحوجنا نحن أن نتذكر ذلك إذا أختلف رأينا مع رأى القيادة فى الأمور الاجتهادية، وأن نذكر معه أننا لم نسمع رسول الله > يقول عن أحد منا أن الله جعل الحق على لسانه أو قلبه.
ونظرًا لأهمية الثقة فى القيادة ـ فى فكرها وفى قراراتها وفيما بايعها الأخوان على أساسه ـ فقد تعرضت فيما سبق من كلمات إلى بعض الشبهات التى أوردت على رسالة »التعاليم« أو رسالة »البيعة« كما كنا نسميها، وأتعرض اليوم لشبهة أخرى، فقد علمت أن هناك مقولة تزعم أن أيات الصفات ليست من المتشابه، وكأن قائلها يريد أن يقول أن الأمام البنا قد جانبه الصواب حين ذكر فى الأصل العاشر من الأصول العشرين ما يفيد أن آيات الصفات من المتشابه.
ولقد رجعنا إلى كتب أسباب النزول ثم إلى كتب التفسير فوجدناها تذكر بجلاء أن آية »هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات..« (سورة آل عمران الآية 7) إنما نزلت فى وفد نصارى نجران حين جاءوا يجادلون رسول الله > فى قول القرآن عن عيسى »وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه« (وهى من آيات الصفات) ويزعمون أن القرآن بذلك يؤيدهم فيما يفترون من أن عيسى ابن الله وأنه ثالث ثلاثة، ولكن القرآن رد زعمهم حيث يقول بعد ذلك مباشرة ».. فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا..« وذكرت كتب التفسير أن القرآن هنا يطالبهم بأن يردوا المتشابه إلى المحكم من مثل قوله تعالى »أن هو إلا عبد أنعمنا عليه« وقوله تعالى »أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون« أى أن عيسى لا يختلف عن آدم فى ذلك، فآدم أيضًا أحتاج إلى نفخة من روح الله »ونفخت فيه من روحى« وإلى كلمة »كن« لكونه أيضًا وجد من غير أب، بل ولا أم (أنظر تفسير ابن كثير وتفسير القرطبى وصفوة التفاسير والتفسير الواضح و»من ظلال القرآن« وصاحب تفسير المنار فيما ينقله عن الأمام محمد عبده ج3 ص162 تجدهم جميعًا يذكرون أن آيات الصفات من المتشابه).
ولقد رجعنا بعد ذلك إلى غير كتب التفسير فوجدنا الشاطبى فى الأعتصام (ج1 ص،239 240) والجصاص فى أحكام القرآن (ج3 ص6) وابن الجوزى فى تلبيس إبليس (ص116) والشهر ستانى فى الملل والنحل (ج1 ص104) وجدناهم جميعًا يقرون أن آيات الصفات من المتشابه، بل لقد نقل الشهر ستانى ذلك عن الأمام أحمد بن حنبل أيضًا، وسوف أنقل لك هنا أيضًا نصًا من كلام الأمام ابن تيمية أنقله عن تفسيره لسورة الأخلاص (المجلد 17 من مجموع الفتاوى ص379) طبع مكتبة ابن تيمية لأحياء التراث الأسلامى« وهذا النص يبين بوضوح كيف أن الأمام ابن تيمية أيضًا كان يرى أن آيات الصفات من المتشابه.
يقول الأمام ابن تيمية »وكذلك قوله »ثم استوى على العرش«.. فهذا الاستواء يتضمن حاجة المستوى إلى المستوى عليه، وأنه لو عدم من تحته لخر، والله تعالى غنى عن العرش.. فصار لفظ الاستواء متشابها يلزمه فى حق المخلوقين معانى ينزه الله عنها، فنحن نعلم معناه، وأنه العلو والاعتدال، ولكن لا نعلم الكيفية التى اختص بها الرب التى يكون بها مستويًا من غير افتقار منه إلى العرش، بل مع حاجة العرش، وكل شىء محتاج إليه من كل وجه«.
وهنا يرد سؤال: إذا كان الأمر بهذا الوضوح، وعند هذا العدد من كبار علماء الأسلام (ومنهم أحمد بن حنبل وابن تيمية)، فما الذى يدفع البعض إلى جعلها قضية تثار فى الكتب وفى المقالات؟ هل تنقصنا الخلافات حتى نبحث عن جديد؟
يا أخواننا فى الأسلام.. لقد عرفنا سبابًا مسلمًا من خيرة الناس ما أبعدهم عن الدعوة الأسلامية ألا أمثال هذه الشبهات التى تثار من حولهم هنا أو هناك، دون أن تتهيأ لهذا الشباب الفرصة كى يدرسوا الأمر ويعرفوا حقيقته، فبقى عدد كبير منهم معلقًا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. فاتقوا الله فيهم.
ثم لماذا هذا الاصرار على جعل آيات الصفات المحكمات؟ هل يراد بذلك الأصرار على أننا لا ينبغى أن نتسامح بشأنها مع من يخالفنا فى الرأى؟ لعل من الملائم اذن أن أنقل هنا كلمة لأبن تيمية جاءت فى »الرسالة التدمرية« يقول فيها:س
»المقصود هنا التنبيه على أن ما يجب أثباته لله تعالى من الصفات ليس مقصورًا على ما ذكره هؤلاء، مع أثباتهم بعض صفاته بالعقل وبعضها بالسمع، فإن من عرف حقائق أقوال الناس بطرقهم التى دعتهم إلى تلك الأقوال حصل له العلم والرحمة، فعلم الحق ورحم الخلق.. وهذه خاصة أهل السنة المتبعين للرسول >، فأنهم يتبعون الحق ويرحمون من خالفهم بإجتهاده حيث عذره الله ورسوله، وأما أهل البدع فيبتدعون بدعة باطلة ويكفرون من خالفهم« (نقله عنه صاحب تفسير المنار ج3 ص205).
ونحن ندعو (أهل السنة) فى زمننا هذا إلى مثل ما دعاهم إليه شيخ الأسلام ابن تيمية، ونطلب إليهم أن يرحموا من خالفهم باجتهاده، حيث عذره الله ورسوله.. ونسأل الله لنا ولهم التوفيق.
أيها الأخ الداعية: أننا لا نذكر هذه الأقوال والنقول كى تكون موضع جدل مع المخالفين، ولكن لكى نعرف الحق ثم نوضح الأمر لغيرنا ممن نحس منه رغبة فى معرفة الحق.. أما المماحكة والجدال، وخاصة فى آيات الصفات، فليست من سبيل المؤمنين، ولا بأس بأن نذكر بهذه المناسبة ما أورده القرطبى فى تفسيره (الجامع لأحكام القرآن ج4 ص15):
»قدم ضبيع بن عسل المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء، فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل فلما حضر قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله ضبيع، فقال: وأنا عبد الله عمر، ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب ما كنت أجد فى رأسى«.
أرجو أن يكون فى هذه القصة عظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ولما كانت دعوتكم أيها الأخوان تمثل التجمع الحركى الكبير الذى يقف فى وجه هؤلاء الأعداء ويهدد بافساد كل مخططاتهم، فقد كان من الطبيعى أن يوجهوا إليها كل أسلحتهم، وألا يدعوا سبيلا لحربها والقضاء عليها ألا اتبعوها.
ولا شك أن من أخطر الوسائل التى يلجأ إليها هذا العدو الماكر أن يفتت هذه الدعوة من داخلها، حتى لا تواجهه إلا وهى مفرقة ممزقة، وخير ما يعينه على ذلك فقدان الثقة بين الجند والقائد، فإن الجنود إذا فقدوا الثقة فى قيادتهم اهتز فى نفوسهم معنى الطاعة، وإذا فقدت الطاعة لم تعد هناك قيادة ولا جماعة.
من أجل ذلك حرص الأمام البنا فى رسالة »التعاليم« على أن يجعل بند »الثقة« ركنًا من أركان البيعة العشرة التى يبايع الأخوان على أساسها، وأبرز لأخوانه أهمية هذا الركن فى المحافظة على تماسك الجماعة ووحدتها حيث يقول:
».. ولا دعوة بغير قيادة، وعلى قدر الثقة المتبادلة بين القائد والجنود تكون قوة نظام الجماعة، وأحكام خططها، ونجاحها فى الوصول إلى غايتها، وتغلبها على ما يعترضها من عقبات وصعاب (فأولى لهم طاعة وقول معروف).. والثقة بالقيادة هى كل شىء فى نجاح الدعوات«.
ولا يلزم كى نولى القائد ثقتنا أن يكون هذا القائد أقوي الناس وأتقى الناس وأعلم الناس وأفصح الناس، فذلك مطلب عسير، لا نحسبه تحقق للكثيرين بعد رسول الله <، وأنما يكفينا أن أخوانه أعتبروه أقدرهم على حمل هذه الأمانة الثقيلة فكلفوه بها، فإذا أفترضنا أن أحد الأخوة رأى فى نفسه، أو رأى منه غيره، موهبة أو ملكة لم تكن عندما قادته.. فلتوضع هذه الملكة تحت تصرف القيادة حتى تكون عونًا لقائدة لا حربًا عليه وعلى الجماعة. ولعلك يا أخى تذكر ما دار بين أبى بكر وعمر بعد وفاة رسول الله >، حيث قال عمر لأبى بكر: أبسط يدك أبايعك، فقال أبو بكر: أنت أقوى منى. وهنا قال عمر: قوتى لك كع فضلك. أجل، فقوة الجندى المؤمن أنما تكون لصالح القيادة والجماعة ولا تكون ضد القيادة والجماعة. ولقد صدق عمر فى ذلك، فقد كانت قوته دائما من وراء أبى بكر.. كان يعينه ويشد أزره ويوليه ثقته.
من أجل هذا المعنى كان جواب الإمام البنا لمن سأله: إذا حالت الظروف بينك وبين أن تكون بيننا، فمن تنصمنا بأن نوليه علينا أن قال: يا أخوان، أجعلوا عليكم أضعفكم، ثم اسمعوا له وأطيعوا، فسوف يكون بكم أقوالكم.
ولقد كان عمر لشدة ثقته فى قائده يختلف معه فى الرأى أحيانًا، فأذا رآه مصرًا على رأيه تنازل هو عن رأيه مسلمًا بأن رأى أبى بكر أعظم بركة من رأيه، ولعلك يا أخى تذكر كيف أختلف عمر مع أبى بكر فى شأن مانعى الزكاة، وكان جل صحابة رسول الله > يرمون رأى عمر فى عدم قتالهم، ومع ذلك فإن عمر ما كاد يرى أبا بكر مصرًا على قتال مانعى الزكاة حتى قال قولته المعروفة التى تعبر عن ثقته الكاملة »فوالله ما هو إلا أن رأيت الله شرح صدر أبى بكر للقتال فعرفت أنه الحق«.
ولم لم يكن عمر على هذا المستوى الكريم من الثقة والطاعة لسولت له نفسه أن الحق معه هو، فقد سمع رسول الله > يقول »جعل الله الحق على لسان عمر وقلبه«. وما أحوجنا نحن أن نتذكر ذلك إذا أختلف رأينا مع رأى القيادة فى الأمور الاجتهادية، وأن نذكر معه أننا لم نسمع رسول الله > يقول عن أحد منا أن الله جعل الحق على لسانه أو قلبه.
ونظرًا لأهمية الثقة فى القيادة ـ فى فكرها وفى قراراتها وفيما بايعها الأخوان على أساسه ـ فقد تعرضت فيما سبق من كلمات إلى بعض الشبهات التى أوردت على رسالة »التعاليم« أو رسالة »البيعة« كما كنا نسميها، وأتعرض اليوم لشبهة أخرى، فقد علمت أن هناك مقولة تزعم أن أيات الصفات ليست من المتشابه، وكأن قائلها يريد أن يقول أن الأمام البنا قد جانبه الصواب حين ذكر فى الأصل العاشر من الأصول العشرين ما يفيد أن آيات الصفات من المتشابه.
ولقد رجعنا إلى كتب أسباب النزول ثم إلى كتب التفسير فوجدناها تذكر بجلاء أن آية »هو الذى أنزل عليك الكتاب منه آيات محكمات هن أم الكتاب وآخر متشابهات..« (سورة آل عمران الآية 7) إنما نزلت فى وفد نصارى نجران حين جاءوا يجادلون رسول الله > فى قول القرآن عن عيسى »وكلمته ألقاها إلى مريم وروح منه« (وهى من آيات الصفات) ويزعمون أن القرآن بذلك يؤيدهم فيما يفترون من أن عيسى ابن الله وأنه ثالث ثلاثة، ولكن القرآن رد زعمهم حيث يقول بعد ذلك مباشرة ».. فأما الذين فى قلوبهم زيغ فيتبعون ما تشابه منه ابتغاء الفتنة وابتغاء تأويله، وما يعلم تأويله إلا الله، والراسخون فى العلم يقولون آمنا به كل من عند ربنا..« وذكرت كتب التفسير أن القرآن هنا يطالبهم بأن يردوا المتشابه إلى المحكم من مثل قوله تعالى »أن هو إلا عبد أنعمنا عليه« وقوله تعالى »أن مثل عيسى عند الله كمثل آدم، خلقه من تراب ثم قال له كن فيكون« أى أن عيسى لا يختلف عن آدم فى ذلك، فآدم أيضًا أحتاج إلى نفخة من روح الله »ونفخت فيه من روحى« وإلى كلمة »كن« لكونه أيضًا وجد من غير أب، بل ولا أم (أنظر تفسير ابن كثير وتفسير القرطبى وصفوة التفاسير والتفسير الواضح و»من ظلال القرآن« وصاحب تفسير المنار فيما ينقله عن الأمام محمد عبده ج3 ص162 تجدهم جميعًا يذكرون أن آيات الصفات من المتشابه).
ولقد رجعنا بعد ذلك إلى غير كتب التفسير فوجدنا الشاطبى فى الأعتصام (ج1 ص،239 240) والجصاص فى أحكام القرآن (ج3 ص6) وابن الجوزى فى تلبيس إبليس (ص116) والشهر ستانى فى الملل والنحل (ج1 ص104) وجدناهم جميعًا يقرون أن آيات الصفات من المتشابه، بل لقد نقل الشهر ستانى ذلك عن الأمام أحمد بن حنبل أيضًا، وسوف أنقل لك هنا أيضًا نصًا من كلام الأمام ابن تيمية أنقله عن تفسيره لسورة الأخلاص (المجلد 17 من مجموع الفتاوى ص379) طبع مكتبة ابن تيمية لأحياء التراث الأسلامى« وهذا النص يبين بوضوح كيف أن الأمام ابن تيمية أيضًا كان يرى أن آيات الصفات من المتشابه.
يقول الأمام ابن تيمية »وكذلك قوله »ثم استوى على العرش«.. فهذا الاستواء يتضمن حاجة المستوى إلى المستوى عليه، وأنه لو عدم من تحته لخر، والله تعالى غنى عن العرش.. فصار لفظ الاستواء متشابها يلزمه فى حق المخلوقين معانى ينزه الله عنها، فنحن نعلم معناه، وأنه العلو والاعتدال، ولكن لا نعلم الكيفية التى اختص بها الرب التى يكون بها مستويًا من غير افتقار منه إلى العرش، بل مع حاجة العرش، وكل شىء محتاج إليه من كل وجه«.
وهنا يرد سؤال: إذا كان الأمر بهذا الوضوح، وعند هذا العدد من كبار علماء الأسلام (ومنهم أحمد بن حنبل وابن تيمية)، فما الذى يدفع البعض إلى جعلها قضية تثار فى الكتب وفى المقالات؟ هل تنقصنا الخلافات حتى نبحث عن جديد؟
يا أخواننا فى الأسلام.. لقد عرفنا سبابًا مسلمًا من خيرة الناس ما أبعدهم عن الدعوة الأسلامية ألا أمثال هذه الشبهات التى تثار من حولهم هنا أو هناك، دون أن تتهيأ لهذا الشباب الفرصة كى يدرسوا الأمر ويعرفوا حقيقته، فبقى عدد كبير منهم معلقًا لا إلى هؤلاء ولا إلى هؤلاء.. فاتقوا الله فيهم.
ثم لماذا هذا الاصرار على جعل آيات الصفات المحكمات؟ هل يراد بذلك الأصرار على أننا لا ينبغى أن نتسامح بشأنها مع من يخالفنا فى الرأى؟ لعل من الملائم اذن أن أنقل هنا كلمة لأبن تيمية جاءت فى »الرسالة التدمرية« يقول فيها:س
»المقصود هنا التنبيه على أن ما يجب أثباته لله تعالى من الصفات ليس مقصورًا على ما ذكره هؤلاء، مع أثباتهم بعض صفاته بالعقل وبعضها بالسمع، فإن من عرف حقائق أقوال الناس بطرقهم التى دعتهم إلى تلك الأقوال حصل له العلم والرحمة، فعلم الحق ورحم الخلق.. وهذه خاصة أهل السنة المتبعين للرسول >، فأنهم يتبعون الحق ويرحمون من خالفهم بإجتهاده حيث عذره الله ورسوله، وأما أهل البدع فيبتدعون بدعة باطلة ويكفرون من خالفهم« (نقله عنه صاحب تفسير المنار ج3 ص205).
ونحن ندعو (أهل السنة) فى زمننا هذا إلى مثل ما دعاهم إليه شيخ الأسلام ابن تيمية، ونطلب إليهم أن يرحموا من خالفهم باجتهاده، حيث عذره الله ورسوله.. ونسأل الله لنا ولهم التوفيق.
أيها الأخ الداعية: أننا لا نذكر هذه الأقوال والنقول كى تكون موضع جدل مع المخالفين، ولكن لكى نعرف الحق ثم نوضح الأمر لغيرنا ممن نحس منه رغبة فى معرفة الحق.. أما المماحكة والجدال، وخاصة فى آيات الصفات، فليست من سبيل المؤمنين، ولا بأس بأن نذكر بهذه المناسبة ما أورده القرطبى فى تفسيره (الجامع لأحكام القرآن ج4 ص15):
»قدم ضبيع بن عسل المدينة، فجعل يسأل عن متشابه القرآن وعن أشياء، فبلغ ذلك عمر رضى الله عنه فبعث إليه عمر فأحضره وقد أعد له عراجين من عراجين النخل فلما حضر قال له عمر: من أنت؟ قال: أنا عبد الله ضبيع، فقال: وأنا عبد الله عمر، ثم قام إليه فضرب رأسه بعرجون فشجه، ثم تابع ضربه حتى سال دمه على وجهه، فقال: حسبك يا أمير المؤمنين، فقد والله ذهب ما كنت أجد فى رأسى«.
أرجو أن يكون فى هذه القصة عظة لمن كان له قلب أو ألقى السمع وهو شهيد.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق