أولا : الشورى فقهاً ومفهوماً
فى بداية الحديث عن الشورى أوجز ما أقره فقهاء وعلماء الأمة وقادته من المصلحين فى مفهوم الشورى وحكمها، ثم نتعرض بعد ذلك إلى ممارسة الشورى وبعض إشكاليات التطبيق للوصول إلى ممارسة صحيحة للشورى فى المستويات المختلفة .
فالشورى مبدأ قرآني، وأصل عام شامل لجميع شئون المجتمع، ولقد تميزت شريعتنا بأنها تربط الشورى بالعقيدة والعبادة إذ قال الله تعالى:(والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى: 38، و لقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبين الممارسة العملية للشورى،فالشورى هي تداول وتقليب الآراء بين مجموعة معينة في موضوع معين للوصول إلى رأى يتم الاجتماع عليه أو يحوز الأغلبية ويصبح ملزما للجميع، فأي قرار يتخذ ينبغي أن يكون نتاج الشورى، لعموم قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم )، لما تسمح به الشورى من تنوع في الآراء التي تعرض قبل حسم الأمر واتخاذ القرار(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله )آل عمران159
إن الشورى فى الإسلام مبدأ إنساني أولا، واجتماعي وأخلاقي ثانيا، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم،والشورى بمعناها الواسع الأعم تشمل جميع صور التشاور والتنا صح والحوار الحر،ومبدأ الشورى يركز على أهمية الجهد الفكري الذي يجب على الجماعة أن تبذله قبل اتخاذ قرارها،وضرورة إتاحة الفرصة لجميع الأفراد للمشاركة في هذا الجهد العقلي والحوار الفكري، عن طريق المساهمة في حوار حر يدور بينهم على أساس المساواة والحرية الكاملة، وغاية الشورى هي تحقيق العدل وتنفيذ مقاصد الشريعة ومبادئها، ولذلك فإنها فرع من فروع الشريعة وتابعة لها،كما أن الشورى هي الشريان الذي تجرى من خلاله أفكار الأمة وآراء أفرادها في جسم المجتمع،أما الشريعة بما تتضمنه من قيم ومبادئ فهي التي تصنع هذه الأفكار، وهى التي تطهرها وتنقيها وتجعلها صالحة .
والشورى بمعنى التشاور الذي يؤدى إلى قرار صادر من الجماعة – بالإجماع أو الأغلبية – في شئونها العامة التي تختص وحدها بإصدار قرار بشأنها، وحكمها أنها ملزمة،وهذا هو رأى جمهور الفقهاء و العلماء،وهناك رأى آخر بأنها معلمة،والاختيار الفقهي لجماعة الإخوان المسلمين هو أن الشورى ملزمة .
ثانيا : أسلوب تطبيق الشورى يتدرج إلي ثلاث مراحل هي :
أولا- مرحلة صنع القرار :
وهذه المرحلة يقوم بها أصحاب الرأي والمشورة في الجهة المنوط بها اتخاذ القرار، وفيها يكون كل علىمن ولى أمراً من أمور المسلمين أن يتواضع عن موقع الرئاسة فيكون بين مستشاريه كواحد منهم، ويشعروا هم بهذا حتى يقدم كل منهم ما عنده من رأى و فكر واجتهاد، وفى هذه المرحلة تطرح التصورات، وتمحص البدائل، وتساق الحجج، بما يناسب الموقف وبما يحقق المصلحة الشرعية، وفى هذا المجال تناقش الآراء وحيثياتها دون خشية صاحب الرأي ومقدم المشورة، وهذا يتطلب من أولى الأمر سعة الصدر ولين الجانب وإشاعة الطمأنينة في قلوبهم (فبما رحمة من الله لنت لهم )، وكما يتطلب أيضاً نزع الرهبة والخوف من قلوبهم بما يشحذ الهمم والطاقات في طرح الأفكار وإبداء الآراء (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فالجو الذي يجب أن يسود هو جو تأليف القلوب وتطييبها، كما يغلب عليه روح العفو والاستغفار الذي يستمر إلى ما بعد انتهاء مجلس التشاور، وهو عفو واستغفار عن ما يكون قد وقع فيه من لغو في القول أو الحديث دون قصد إساءة أو تجريح (فاعف عنهم واستغفر لهم)
ثانياً- مرحلة اتخاذ القرار:
وهذه المرحلة يقوم بها أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة في المستويات المختلفة، ويكون لأولى الأمر أحد احتمالين:
- إما أن يكون رأى أولى الأمر موافقا لرأى أغلبية المشاركين، فيكون هذا هو القرار الذي يجب إتباعه.
- وإما أن تميل الأغلبية إلى رأى يخالف رأى أولى الأمر، فيكون القرار على مقتضى رأى الأغلبية، ولا يجوز الاحتجاج بأن أولى الأمر يملكون رؤية أوسع، إذ كانت لديهم الفرصة لوضع كل الحقائق والمعلومات أمام من يشاورهم، ولعل هذا هو الذي يوافق السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد: لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرة قريش لقتاله، حتى بلغوا مسافة خمسة أميال من المدينة، بعث من تحسس الأخبار، كي لا يتخذ القرار إلا على معلومات مؤكدة، ثم استشار أهل الرأي فانقسموا إلى قسمين:
- البعض أشار بالتحصن بالمدينة وقتال العدو فيها، كعادة أهلها من قبل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل إلى هذا الرأي.
- البعض الآخر أشار بالخروج لملاقاة العدو ردعا له، وإظهارا لشوكة المسلمين، وقد تغلب هذا الرأي في النهاية، فكان أن اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراره على مقتضى ما أشارت به الأغلبية، رغم مخالفتها لما كان يراه.
ولقد سار الخلفاء الراشدون من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الشورى على نفس النهج.
ثالثاً - مرحلة تنفيذ القرار:
وهى المرحلة التي تلي اتخاذ القرار، وفيها يكون أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة قد استنفذوا جهودهم، واخذوا بالأسباب، وأدوا كل ما هو مطلوب منهم، فيتوكلون على الله لأن النتائج والأقدار بيده سبحانه لا شريك له، وليس لنا إلا اتخاذ الأسباب، وقد تم ذلك في المرحلتين السابقتين، فلا يجوز العودة لفتح باب الشورى أو مناقشة أي جانب من جوانب الموضوع، إذ على الجميع أن يتوجهوا مباشرة إلى وضع القرار موضع التنفيذ مستعينين بالله مطيعين لما يأمر به متخذ القرار (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران 159، ولعل خير مثال على ذلك هو ما حدث بعد اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرار بالخروج لملاقاة الكفار عند جبل أحد، وانصرف بعدها للاستعداد للمعركة د ون أن يلتفت إلى قولهم (ما كان لنا يا رسول الله أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، وما كان لنا أن نستكرهك، والأمر إلى الله ثم إليك )، وكان قوله صلى الله عليه وسلم (وما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه ).
ولقد أصبحت الشورى أمراً مستقراً لدى المسلمين، ففيما رواه سعيد بن المسيب عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال:(قلت يا رسول الله، الأمر ينـزل بنا لم ينـزل فيه قرآن، ولم تمضى فيه منك سنة قال:اجمعوا له العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد).
ثالثا : إشكاليات فى تطبيق الشورى
ومما سبق تتضح لنا معالم الشورى فقها ًوتطبيقا ً، وقد يظهر لنا أثناء الممارسة والتطبيق بعض الإشكاليات التي يطرحها البعض، وتحتاج منا إلى تذكير وتأكيد لما يجب أن تكون عليه ممارسة الشورى حتى تبقى على آصالتها وعراقتها،ومن هذه الإشكاليات:
أولا: هل يجب على جميع الأفراد الالتزام بما انتهت إليه الشورى من قرار؟
الاختيار الفقهي للجماعة بأن الشورى ملزمة،والالتزام بالشورى يعنى أنه متى صدر القرار بالشورى فإنه يصبح ملزماً للكافة،بما فيهم أولو الأمر الذين يتولون سلطة التنفيذ، إذ إن مهمتهم الأولى تكون تنفيذ قرارات الشورى والالتزام بها، ووجب على جميع الأفراد أن يلزموا قرارات الشورى، ويعمل الجميع على تنفيذها دون تردد أو إبطاء، وكل إخلال من أى فرد بهذا الالتزام يترتب عليه إخلال بمقصد الشورى، ولا يعقل أن تكون الشورى ملزمة لأولى الأمر وغير ملزمة لكافة الأفراد، وكما يقول الأمام حسن البنا:(وأريد بالطاعة انفاذ الأمر في التو واللحظة، في العسر واليسر، في المنشط والمكره،في غير معصية )،فالطاعة تكون واجبة بعد أخذ الشورى.
ثانيا : أليس من حق الأقلية أن تتبنى وجهة نظرها وتعمل على طرحها على عموم الأفراد دون التقييد برأي الأغلبية وما انتهت إليه الشورى من قرارات ؟
الشورى تسمح بتعدد الآراء ووجهات النظر في مرحلة دراسة وصناعة القرار، ويتم هذا وفق أسس ونظم ولوائح تنظم ذلك كله، ولكن بعد مرحلة اتخاذ القرار يلتزم الجميع بالقرار سواء من كان يؤيد أو من كان يعارض،و يعمل الجميع على تنفيذ القرار بتجرد كامل دون هوى في النفس أو إعجاب كل ذي رأى برأيه، ويحرص الجميع على وحدة الصف وتماسكه دون تنازع يؤدى إلى الفشل أو الفرقة، والكل يعلم أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، والاجتماع على المفضول خير من التفرق على الأفضل.
ثالثا: ما المانع أن يكون هناك أجنحة أو تيارات متعددة داخل الجماعة الواحدة ؟
عندما تكون هناك جماعة قامت وتسعى لتحقيق غاية وأهداف محددة، وتعمل وفق وسائل ومسارات وآليات محددة، ولديها من السياسات والضوابط والنظم واللوائح التي تعمل بها، مما يجعل الطريق واضحاً أمام كل من أرتضى أن يعمل من خلالها، ولذا وجب على الجميع أن يلتزموا بمنهجها ونظمها دون إخلال بها أو انحراف عنها، وكيف تكون جماعة هدفها نبيل وغايتها سامية وبنيانها متين وليست فيها وحدة التصور، ووحدة الفكر، ووحدة العمل التي تعمل على نجاح أهدافها وتحقيق غايتها، ولا يمنع هذا من وجود تنوع في الآراء ووجهات النظرالتى تساهم في دراسة واتخاذ القرارات بشكل فعال،ولكن أثناء تنفيذ القرار يصبح الجميع على قلب ورأى واحد، وهذا هو كمال وتمام الطاعة .
إن ممارسة الشورى والالتزام بضوابطها وآدابها تحتاج منا إلى فهم ووعى، كما تحتاج منا إلى الشجاعة والقدرة على ضبط النفس،وكما يقول الإمام البنا رحمه الله: (وأعظم الشجاعة الاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس)، وهى أيضاً تحتاج منا إلى الصبر الجميل وسعة الصدر حتى تؤتى ثمارها (يأيها الذين أمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)آل عمران.
نسأل الله العظيم أن يلهمنا رشدنا، ويهدى لنا أنفسنا،ويحفظ لنا وحدتنا وترابطنا فهي سر قوتنا.
فى بداية الحديث عن الشورى أوجز ما أقره فقهاء وعلماء الأمة وقادته من المصلحين فى مفهوم الشورى وحكمها، ثم نتعرض بعد ذلك إلى ممارسة الشورى وبعض إشكاليات التطبيق للوصول إلى ممارسة صحيحة للشورى فى المستويات المختلفة .
فالشورى مبدأ قرآني، وأصل عام شامل لجميع شئون المجتمع، ولقد تميزت شريعتنا بأنها تربط الشورى بالعقيدة والعبادة إذ قال الله تعالى:(والذين استجابوا لربهم وأقاموا الصلاة وأمرهم شورى بينهم ومما رزقناهم ينفقون) الشورى: 38، و لقد جاءت سنة رسول الله صلى الله عليه وسلم لتبين الممارسة العملية للشورى،فالشورى هي تداول وتقليب الآراء بين مجموعة معينة في موضوع معين للوصول إلى رأى يتم الاجتماع عليه أو يحوز الأغلبية ويصبح ملزما للجميع، فأي قرار يتخذ ينبغي أن يكون نتاج الشورى، لعموم قول الله تعالى (وأمرهم شورى بينهم )، لما تسمح به الشورى من تنوع في الآراء التي تعرض قبل حسم الأمر واتخاذ القرار(وشاورهم في الأمر فإذا عزمت فتوكل على الله )آل عمران159
إن الشورى فى الإسلام مبدأ إنساني أولا، واجتماعي وأخلاقي ثانيا، ثم هي قاعدة دستورية لنظام الحكم،والشورى بمعناها الواسع الأعم تشمل جميع صور التشاور والتنا صح والحوار الحر،ومبدأ الشورى يركز على أهمية الجهد الفكري الذي يجب على الجماعة أن تبذله قبل اتخاذ قرارها،وضرورة إتاحة الفرصة لجميع الأفراد للمشاركة في هذا الجهد العقلي والحوار الفكري، عن طريق المساهمة في حوار حر يدور بينهم على أساس المساواة والحرية الكاملة، وغاية الشورى هي تحقيق العدل وتنفيذ مقاصد الشريعة ومبادئها، ولذلك فإنها فرع من فروع الشريعة وتابعة لها،كما أن الشورى هي الشريان الذي تجرى من خلاله أفكار الأمة وآراء أفرادها في جسم المجتمع،أما الشريعة بما تتضمنه من قيم ومبادئ فهي التي تصنع هذه الأفكار، وهى التي تطهرها وتنقيها وتجعلها صالحة .
والشورى بمعنى التشاور الذي يؤدى إلى قرار صادر من الجماعة – بالإجماع أو الأغلبية – في شئونها العامة التي تختص وحدها بإصدار قرار بشأنها، وحكمها أنها ملزمة،وهذا هو رأى جمهور الفقهاء و العلماء،وهناك رأى آخر بأنها معلمة،والاختيار الفقهي لجماعة الإخوان المسلمين هو أن الشورى ملزمة .
ثانيا : أسلوب تطبيق الشورى يتدرج إلي ثلاث مراحل هي :
أولا- مرحلة صنع القرار :
وهذه المرحلة يقوم بها أصحاب الرأي والمشورة في الجهة المنوط بها اتخاذ القرار، وفيها يكون كل علىمن ولى أمراً من أمور المسلمين أن يتواضع عن موقع الرئاسة فيكون بين مستشاريه كواحد منهم، ويشعروا هم بهذا حتى يقدم كل منهم ما عنده من رأى و فكر واجتهاد، وفى هذه المرحلة تطرح التصورات، وتمحص البدائل، وتساق الحجج، بما يناسب الموقف وبما يحقق المصلحة الشرعية، وفى هذا المجال تناقش الآراء وحيثياتها دون خشية صاحب الرأي ومقدم المشورة، وهذا يتطلب من أولى الأمر سعة الصدر ولين الجانب وإشاعة الطمأنينة في قلوبهم (فبما رحمة من الله لنت لهم )، وكما يتطلب أيضاً نزع الرهبة والخوف من قلوبهم بما يشحذ الهمم والطاقات في طرح الأفكار وإبداء الآراء (ولو كنت فظاً غليظ القلب لانفضوا من حولك)، فالجو الذي يجب أن يسود هو جو تأليف القلوب وتطييبها، كما يغلب عليه روح العفو والاستغفار الذي يستمر إلى ما بعد انتهاء مجلس التشاور، وهو عفو واستغفار عن ما يكون قد وقع فيه من لغو في القول أو الحديث دون قصد إساءة أو تجريح (فاعف عنهم واستغفر لهم)
ثانياً- مرحلة اتخاذ القرار:
وهذه المرحلة يقوم بها أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة في المستويات المختلفة، ويكون لأولى الأمر أحد احتمالين:
- إما أن يكون رأى أولى الأمر موافقا لرأى أغلبية المشاركين، فيكون هذا هو القرار الذي يجب إتباعه.
- وإما أن تميل الأغلبية إلى رأى يخالف رأى أولى الأمر، فيكون القرار على مقتضى رأى الأغلبية، ولا يجوز الاحتجاج بأن أولى الأمر يملكون رؤية أوسع، إذ كانت لديهم الفرصة لوضع كل الحقائق والمعلومات أمام من يشاورهم، ولعل هذا هو الذي يوافق السنة العملية لرسول الله صلى الله عليه وسلم في غزوة أحد: لما علم رسول الله صلى الله عليه وسلم بمسيرة قريش لقتاله، حتى بلغوا مسافة خمسة أميال من المدينة، بعث من تحسس الأخبار، كي لا يتخذ القرار إلا على معلومات مؤكدة، ثم استشار أهل الرأي فانقسموا إلى قسمين:
- البعض أشار بالتحصن بالمدينة وقتال العدو فيها، كعادة أهلها من قبل، وقد كان رسول الله صلى الله عليه وسلم يميل إلى هذا الرأي.
- البعض الآخر أشار بالخروج لملاقاة العدو ردعا له، وإظهارا لشوكة المسلمين، وقد تغلب هذا الرأي في النهاية، فكان أن اتخذ رسول الله صلى الله عليه وسلم قراره على مقتضى ما أشارت به الأغلبية، رغم مخالفتها لما كان يراه.
ولقد سار الخلفاء الراشدون من بعد رسول الله صلى الله عليه وسلم في أمر الشورى على نفس النهج.
ثالثاً - مرحلة تنفيذ القرار:
وهى المرحلة التي تلي اتخاذ القرار، وفيها يكون أولو الأمر وأصحاب الرأي والمشورة قد استنفذوا جهودهم، واخذوا بالأسباب، وأدوا كل ما هو مطلوب منهم، فيتوكلون على الله لأن النتائج والأقدار بيده سبحانه لا شريك له، وليس لنا إلا اتخاذ الأسباب، وقد تم ذلك في المرحلتين السابقتين، فلا يجوز العودة لفتح باب الشورى أو مناقشة أي جانب من جوانب الموضوع، إذ على الجميع أن يتوجهوا مباشرة إلى وضع القرار موضع التنفيذ مستعينين بالله مطيعين لما يأمر به متخذ القرار (فإذا عزمت فتوكل على الله إن الله يحب المتوكلين) آل عمران 159، ولعل خير مثال على ذلك هو ما حدث بعد اتخاذ الرسول صلى الله عليه وسلم القرار بالخروج لملاقاة الكفار عند جبل أحد، وانصرف بعدها للاستعداد للمعركة د ون أن يلتفت إلى قولهم (ما كان لنا يا رسول الله أن نخالفك، فاصنع ما بدا لك، وما كان لنا أن نستكرهك، والأمر إلى الله ثم إليك )، وكان قوله صلى الله عليه وسلم (وما ينبغي لنبي إذا لبس لامته أن يضعها حتى يحكم الله بينه وبين أعدائه ).
ولقد أصبحت الشورى أمراً مستقراً لدى المسلمين، ففيما رواه سعيد بن المسيب عن على بن أبى طالب كرم الله وجهه قال:(قلت يا رسول الله، الأمر ينـزل بنا لم ينـزل فيه قرآن، ولم تمضى فيه منك سنة قال:اجمعوا له العالمين من المؤمنين فاجعلوه شورى بينكم، ولا تقضوا فيه برأي واحد).
ثالثا : إشكاليات فى تطبيق الشورى
ومما سبق تتضح لنا معالم الشورى فقها ًوتطبيقا ً، وقد يظهر لنا أثناء الممارسة والتطبيق بعض الإشكاليات التي يطرحها البعض، وتحتاج منا إلى تذكير وتأكيد لما يجب أن تكون عليه ممارسة الشورى حتى تبقى على آصالتها وعراقتها،ومن هذه الإشكاليات:
أولا: هل يجب على جميع الأفراد الالتزام بما انتهت إليه الشورى من قرار؟
الاختيار الفقهي للجماعة بأن الشورى ملزمة،والالتزام بالشورى يعنى أنه متى صدر القرار بالشورى فإنه يصبح ملزماً للكافة،بما فيهم أولو الأمر الذين يتولون سلطة التنفيذ، إذ إن مهمتهم الأولى تكون تنفيذ قرارات الشورى والالتزام بها، ووجب على جميع الأفراد أن يلزموا قرارات الشورى، ويعمل الجميع على تنفيذها دون تردد أو إبطاء، وكل إخلال من أى فرد بهذا الالتزام يترتب عليه إخلال بمقصد الشورى، ولا يعقل أن تكون الشورى ملزمة لأولى الأمر وغير ملزمة لكافة الأفراد، وكما يقول الأمام حسن البنا:(وأريد بالطاعة انفاذ الأمر في التو واللحظة، في العسر واليسر، في المنشط والمكره،في غير معصية )،فالطاعة تكون واجبة بعد أخذ الشورى.
ثانيا : أليس من حق الأقلية أن تتبنى وجهة نظرها وتعمل على طرحها على عموم الأفراد دون التقييد برأي الأغلبية وما انتهت إليه الشورى من قرارات ؟
الشورى تسمح بتعدد الآراء ووجهات النظر في مرحلة دراسة وصناعة القرار، ويتم هذا وفق أسس ونظم ولوائح تنظم ذلك كله، ولكن بعد مرحلة اتخاذ القرار يلتزم الجميع بالقرار سواء من كان يؤيد أو من كان يعارض،و يعمل الجميع على تنفيذ القرار بتجرد كامل دون هوى في النفس أو إعجاب كل ذي رأى برأيه، ويحرص الجميع على وحدة الصف وتماسكه دون تنازع يؤدى إلى الفشل أو الفرقة، والكل يعلم أن درء المفسدة مقدم على جلب المنفعة، والاجتماع على المفضول خير من التفرق على الأفضل.
ثالثا: ما المانع أن يكون هناك أجنحة أو تيارات متعددة داخل الجماعة الواحدة ؟
عندما تكون هناك جماعة قامت وتسعى لتحقيق غاية وأهداف محددة، وتعمل وفق وسائل ومسارات وآليات محددة، ولديها من السياسات والضوابط والنظم واللوائح التي تعمل بها، مما يجعل الطريق واضحاً أمام كل من أرتضى أن يعمل من خلالها، ولذا وجب على الجميع أن يلتزموا بمنهجها ونظمها دون إخلال بها أو انحراف عنها، وكيف تكون جماعة هدفها نبيل وغايتها سامية وبنيانها متين وليست فيها وحدة التصور، ووحدة الفكر، ووحدة العمل التي تعمل على نجاح أهدافها وتحقيق غايتها، ولا يمنع هذا من وجود تنوع في الآراء ووجهات النظرالتى تساهم في دراسة واتخاذ القرارات بشكل فعال،ولكن أثناء تنفيذ القرار يصبح الجميع على قلب ورأى واحد، وهذا هو كمال وتمام الطاعة .
إن ممارسة الشورى والالتزام بضوابطها وآدابها تحتاج منا إلى فهم ووعى، كما تحتاج منا إلى الشجاعة والقدرة على ضبط النفس،وكما يقول الإمام البنا رحمه الله: (وأعظم الشجاعة الاعتراف بالخطأ والإنصاف من النفس)، وهى أيضاً تحتاج منا إلى الصبر الجميل وسعة الصدر حتى تؤتى ثمارها (يأيها الذين أمنوا اصبروا وصابرو ورابطوا واتقوا الله لعلكم تفلحون)آل عمران.
نسأل الله العظيم أن يلهمنا رشدنا، ويهدى لنا أنفسنا،ويحفظ لنا وحدتنا وترابطنا فهي سر قوتنا.
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق