الاثنين، 31 أغسطس 2009
العمل فى مجال الدعوة
وقل اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمؤمنون وستردون إلى عالم الغيب والشهادة فينبؤكم بما كنتم تعملون) التوبة.
العمل الصالح مرادف للإيمان ومصدق له، وهما معا من أسباب النصر والتمكين والنعيم فى الجنة. والعمل فى مجال الدعوة من أجل التمكين لدين الله وإقامة دولة الإسلام من أفضل مجالات العمل الصالح وأشرفها.
ولقد اهتم الإمام الشهيد بقضية العمل أيما أهتمام، فجعل العمل ركنًا من أركان البيعة العشرة، وعندما تحدث فى رسالة بين الأمس واليوم عن وسائلنا العامة قال هى الإيمان العميق والتكوين الدقيق والعمل المتواصل. وفى المؤتمر الخامس ذكر أن من خصائص دعوة الإخوان إيثار الناحية العملية على الدعاية والإعلانات، مخافة أن تشوب هذه الأعمال شوائب الرياء فيسرع إليها التلف والفساد. ولتوضيح قدر العمل ومكانته يقول: يسهل على كثيرين أن يتخيلوا ولكن ليس كل خيال يدور بالبال يستطاع تصويره أقوالاً باللسان، وإن كثيرين يستطيعون أن يقولوا ولكن قليلا من هذا الكثير يثبت عند العمل، وكثير من هذا القليل يستطيع أن يعمل، ولكن قليلاً منهم يقدر على حمل أعباء الجهاد والعمل المضنى. وهؤلاء المجاهدون وهم الصفوة القلائل من الأنصار قد يخطئون الطريق ولا يصيبون الهدف إن لم تتداركهم عناية الله. وفى قصة طالوت بيان لما أقول، فأعدوا أنفسكم وأقبلوا عليها بالتربية الصحيحة والأختيار الدقيق وأمتحنوها بالعمل، العمل القوى البغيض لديها الشاق عليها وأفطموها عن شهواتها ومألوفاتها وعاداتها.
كلام واضح ودقيق ويتناسب مع الهدف العظيم الذى تتصدى الجماعة لتحقيقه والذى تتسع ساحة العمل له، وتتعدد مجالات العمل فيه ويحتاج إلى زمن طويل وجهود كبيرة.
وغنى عن القول أنه لا يصلح لتحمل هذه الأعباء والقيام بهذه الأعمال إلا من رصدوا حياتهم لهذه الدعوة، وراضوا أنفسهم على تحمل مشاق الطريق. يسارعون فى الخيرات وهم لها سابقون. يؤتون ما آتوا وقلوبهم وجلة أنهم إلى ربهم راجعون. يتقنون عملهم رجاء القبول فلا يقصرون ولا يتباطئون، يبتغون وجه الله ولا يراءون.
لا يقوم بهذه الأعباء ويؤدى هذه الأعمال الهامة المضنية إلا تلك النوعية من الأخوة العاملين ولا يصلح أن يستأجر لها أناس من غير هذه النوعية مهما أغدقت عليهم من مال.
ولكن الأخ العامل الذى عقد الصفقة الرابحة مع الله طمعًا فى جنة الله يسخر ما ما يملك من وقت وجهد ومال وعلم ونفس فى ميدان العمل للدعوة والجهاد فى سبيل الله، ولا يبخل بشىء من ذلك وفاء لبيعته فى ركن التضحية الذى يقول عنه الإمام الشهيد: وأريد بالتضحية بذل النفس والمال والوقت والحياة وكل شىء فى سبيل الغاية. وليس فى الدنيا جهاد لا تضحية معه، ولا تضيع فى سبيل فكرتنا تضحية ، وإنما هو الأجر الجزيل والثواب الجميل، ومن قعد عن التضحية معنا فهو آثم أن الله أشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة قل أن كان آباؤكم وأبناؤكم.. الآية. ذلك بأنهم لا يصيبهم ظمأ ولا نصب.. الآية.
قضايا عامة
وقبل أن نعرض إلى بعض الحالات التى يتفاوت فيها الأفراد فى قدر العمل الذى يقدمونه للدعوة، وما قد يحدث عن عدم الموازنة بين العمل للدعوة والعمل للكسب المعيشى وقضايا البيت والأهل، وطغيان جانب على جانب، سنذكر قبل التعرض لهذه الحالات بعض القضايا العامة لتنير لنا الطريق:
* الفرذ المسلم مطلوب منه أن يعمل فى مجال الدعوة، ومنوط به أعمال أخرى كعمله الذى يتكسب منه ومهام أسرته وبيته، ولو نظرنا نظرة دقيقة فإن كل عذع الأعمال تعتبر كلها عبادة لله وليس فقط العمل فى مجال الدعوة، فالعمل للتكسب عبادة والأكل والشراب عبادة مادامت النية هى التقوى على طاعة الله والدراسة عبادة بنية أفادة الإسلام والمسلمين والزواج عبادة بنية العفة وإقامة البيت المسلم وتنشئة الذرية الصالحة. والرياضة عبادة بنية التقوى لتحمل أعباء الجهاد، وهكذا بالنية الصحيحة وتحرى الحلال فى هذه الأعمال تصير عبادة ينال صاحبها عليها الأجر والثواب من الله وتكون حياة المسلم كلها عبادة، ويحقق قول الله تعالى وما خلق الجن والإنس إلا ليعبدون.
* ويتبع هذا المعنى معنى آخر هام وهو أن يجعل الأخ هذه الأمور المتصلة بعمله المعيشى وزواجه ومكان عمله وأسفاره وغير ذلك تخضع إلى حد كبير لمصلحة الدعوة، وحسن أدائه لما أنيط به من عمل الدعوة.
* الإسلام يحض على السعى على الرزق الحلال، ولا يرضى أن يكون المسلم عالة على غيره. لذلك نرى الإمام البنا يذكر ضمن مقومات الفرد المسلم المطلوب أن يكون قادرًا على الكسب. وكان يزهد فى الوظيفة الحكومية ويرغب فى العمل الحر الانتاجى. وقد حرص على إقامة مؤسسات اقتصادية ضمن نشاط الجماعة لممارسة النهج الإسلامى فى المعاملات الاقتصادية بعيدة عن الربا وغيره من المحرمات، ولدعم الحركة الإسلامية وللإسهام فى بناء المجتمع اقتصاديًا.
* الأصل أن يبذل الأخ من ماله لدعم العمل الإسلامى ولو كان من ضرورياته، ولا يكتفى بالفضل، ونرى الإمام البنا يتناول هذا المعنى وهو يرد على تساؤل من أين المال؟ فيقول: (يتساءل هؤلاء الإخوان المحبوبين الذين يرمقون الإخوان المسلمين على بعد ويرقبونهم عن كثب قائلين من أين ينفقون وأنى لهم المال اللازم لدعوة نجحت وأزدهرت كدعوتهم والوقت عصيب والنفوس شحيحة؟.. وإنى أجيب هؤلاء بأن الدعوات الدينية عمادها الإيمان قبل المال. والعقيدة قبل الأعراض الزائلة، وإذا وجد المؤمن الصحيح وجدت معه وسائل النجاح جميعًا، وإن مال الإخوان المسلمين القليل الذى يقتطعونه من نفقاتهم، ويقتصدونه من ضرورياتهم ومطالب بيوتهم وأولادهم، ويجودون به طيبة نفوسهم سخية به قلوبهم، يود أحدهم لو كان أضعاف أضعاف فينفقه فى سبيل الله، فإذا لم يجد بعضهم شيئصا تولوا وأعينهم تفيض من الدمع حزنًا ألا يجدوا ما ينفقون. فى هذا المال القليل والإيمان الكبير ولله الحمد والعزة بلاغ لقوم عابدين، ونجاح للعاملين الصادقين، وأن الله الذى بيده مل شىء ليبارك فى القرش الواحد من قروش الإخوان يمحق الله الربا ويربى الصدقات البقرة.
* إن النعم التى أنعم الله بها على كل واحد منا من صحة ومال ووقت وجهد وعقل وعلم ومعرفة ونفس تعتبر رصيدًا أو رأس مال قابلاً للإستثمار، وأريح تجارة لإستثمار تلك النعم هى التجارة التى يعرضها الله علينا بهذا الأسلوب المشوق يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم.. الآيات سورة الصف.
ولنتساءل معًا: ماذا نقول عن إنسان عنده رأس مال ومعروض عليه مشروع لإستثمار وعائده كبير جدًا ومضمون جدًا، وإذا بهذا الإنسان بدل أن يسارع لتقديم ماله لهذا المشروع إذا به يلقى ببعضه يوميًا فى البحر ويفقده، ولا يقدم لهذا المشروع الرابح شيئصا أو يقدم النذر اليسير؟ ربما كانت الإجابة على هذا التساؤل أن هذا الإنسان غير سوى وربما قد أصيب بلوثة فى عقله.
هل نعلم أن هذا المثال ينطبق على كل من لا يسخر الله السابق ذكرها فى مجال العمل للدعوة وفى سبيل الله. خاصة وأن الوقت الذى يمر دون استغلاله لن يعود مرة ثانية، تمامًا كالمال الذى يلقى فى البحر، وكان من الممكن فى ذلك الوقت تسخير جهده وعلمه وماله فى عمل نافع لدعوة الله ولكنه عطلها وأضاع فرصة الاستفادة بها.
تفاوت وتصليح
بعدما ذكرنا هذه المعانى العامة نعرض إلى تناول بعض الحالات التى يتفاوت فيها الأفراد فى مقدار ما يقومون به فى مجال العمل للدعوة، ومدى مسارعتهم أو تباطئهم، وتصحيح أى خطأ أو أنحراف فى هذا الجانب، وتوضيح التوازن المطلوب بين أعمال الدعوة وما عداها. فقد نرى أخًا استخوذ عليه العمل للدعوة بدرجة كبيرة ووجد فى ذلك سعادته ومتعته، وقد يكون ذلك على حساب عمله المعيشى أو على حساب أهله وبيته وأولاده أو على حساب صحته وأعصابه.
وفى الجهه المقابلة قد نجد من استحوذ عليه عمله المعيشى ومشاغل الأسرة والأولاد وكان ذلك على حساب عمله فى مجال الدعوة بل على حساب آخرته أن لم تتداركه رحمة الله.
وبين هاتين الصورتين صور متعددة بدرجات متفاوته. والصورة السليمة الأمثل أقرب إلى الحالة الأولى ولكن بعد تعديل فيها بأن يؤدى عمله المعيشى على وجه صحيح فهو عبادة وعليه أن يتقنه ليكون دخله حلالاً طيبًا، ويعطى أهله وبيته حقهم من الرعاية والعاطفة والمودة فهو راع لهم ومسئول عن رعيته، وأن يعطى بدنه حقه وإلا تعرض للعلل والإسقام نتيجة الارهاق ويكون ذلك سببا فى عجزه عن القيام بأعبادء الدعوة، ثم أن الإرهاق وتعب الأعصاب لهما نتائج سلبية على العمل والأنتاج، وعلى العلاقة مع غيره من أخوانه.
وسواء كانت كثزة العمل فى مجال الدعوة بسبب الرغبة الذاتية الشديدة، أو بسبب تراكم الأعمال والتكاليف لسوء التخطيط أوعدم إعداد معاونين، فلابد أن تعالج هذه الحالة ولا تترك هكذا وتصحح بما يحقق الاعتدال والتوازن.
هذا وإن الأهتمام بالأهل والأولاد عبادة وقربى إلى الله وأتباعًا لهدى رسول الله >، فالمطلوب إقامة البيت المسلم النموذج كدعامة فى البناء ولتنشئة الأجيال تنشئة صالحة، وبذلك يكون أفراد البيت كلهم عونا له على أداء واجبه فى الدعوة ولا يكونون مثبطين أو مصدر فتنة واعنات، بعكس ما إذا أنشغل عنهم حتى بأعمال الدعوة فإن هذا الإهمال ينتج متاعب وسلبيات وربما انحرافات ويكونون معوقين له ومثبطين ومصدر فتنة له. وقد لمسنا ذلك عمليا خاصة أثناء المحن، فالأسر التى أهتم بها عائلها قبل المحنة كانت مصدر راحة له وتشجيع، والأسر التى انشغل عنها عائلها قبل المحنة كانت مصدر اعنات له وتثبيط.
أما الحالة التى يشغل العمل المعيشى ومشاغل الأسرة الجانب الأكبر من وقت الأخ وجهده فإن ذلك يكون على حساب عمله للدعوة، وما يعود عليه هو نفسه من الزاد الروحى والاستقامة على أمر الله.
وقد يحدث ذلك إما لطبيعة العمل الذى يتكسب منه بأن يكون من النوع الذى يشغل صاحبه من الصباح إلى وقت متأخر من الليل كبعض الأعمال الحرة. أو يحدث ذلك بأن يعمل الأخ عملا إضافيا بجانب عمله الأصلى لزيادة الدخل، أو يكون شديد التعلق بالأولاد والأسرة أو غير ذلك من الأسباب.
وهذه الصور ولاشك خاطئة وآثارها ضارة وخطيرة خاصة إذا تصورنا حدوثها من عدد غير قليل، فيتعرض عمل الدعوة وانجازاتها إلى التعطيل أو القصور. فيلزم علاج مثل هذه الحالات قبل أن ينضب زاد أصحابها الروحى، وتحتويها دوامة هذه الأعمال والمشاغل ويصعب انتزاع أصحابها منها. ثم أنه يخشى أن يزداد حب أحدهم للمال ويقع فى فتنته، كما يخشى أن يقع فى فتنة الزوجة والأولاد. أيضًا.
فبالنسبة للعمل الحر الذى يستلزم الوقت الكثير يلزم عمل الترتيب لتنظيم العمل وتوزيع المهام بحيث يتوفر للأخ وقتًا مناسبًا لعمله للدعوة. هذا ويفضل أن تكون الأعمال الحرة فى مجالات تخدم الدعوة بطريق مباشر أو غير مباشر، فيعتبر العمل فيه ضمنًا عملا للدعوة أيضًا.
أما الذين يسعون للارتباط بعمل معيشى إضافى لزيادة الدخل، فالأمر يحتاج معهم إلى مراجعة. فهناك قلة منهم أعباءهم العائلية ثقيلة وتضطرهم لذلك فنلتمس لهم بعض العذر، وربما يمكن معالجة هذه الحالات بمالا يحرم الدعوة من طاقاتهم وجهودهم. أما الذين يعملون وقتًا إضافيًا لزيادة الدخل فى حين أن عملهم الأصلى مجزئ، فالأولى بهم أن يقدموا أوقاتهم وجهودهم للقيام بأعباء الدعوة التى لا يمكن أن يقوم بها غيرهم، ولسنا فى حاجة إلى التذكير بأن ثواب الله لا يعدله أى مال فى الدنيا، ولا يجوز أن يكون الدافع للعمل الاضافى المحافظة على مستوى معيشى جيد مجاراة للناس الذين تنافسوا الدنيا وجروا وراء متاعها الزائل، ولنذكر قدوتنا > وصحابته الأكرمين ومستوى معيشتهم فى طعامهم ولباسهم وأثاث بيوتهم وغير ذلك.
والذى يكتفى بعمله الأصلى ويقدم باقى وقته وجهده للدعوة يبارك الله له فى ماله وصحته وزوجته وأولاده، أما الذى ينظر نظرة مادية بحتة ويفضل العمل الاضافى على عمل الدعوة قد يبتلى فى شىء من ذلك وينفق أضعاف ما حصل عليه من عمله الإضافى.
وقد تقتضى ظروف العمل للدعوة قيام أخ بمهام تضطره إلى تركه عمله المعيشى الأصلى ويتم تفرغه وتعويضه، فلا ينبغى أن يشعر بالحرج فى أخذه مقابل عمله للدعوة، ثم يعتذر عن التفرغ، فهذا أيضًا خطأ ويعطل إنجاز مهام الدعوة التى لا يصلح لها إلا أمثال هؤلاء. وفى سيرة سلفنا الصالح من كانوا يقومون بأعمال ويعطون من بيت المال.
وعلى الذين يبسط الله لهم الرزق فى عملهم المعيشى متحرين الحلال ومتحرزين من الحرام أن تحتاجه للقيام بأعبائها فتلك هى التجارة الرابحة: مثل الذين ينفقون أموالهم فى سبيل الله كمثل حبة أنبتت سبع سنابل فى كل سنبلة مائة حبة والله يضاعف لمن يشاء والله واسع عليم البقرة. وكلنا يعلم كيف كان سيدنا عثمان بن عفان وسيدنا عبد الرحمن بن عوف يساهمون فى تجييش جيوش المسلمين بأموالهم سخية بها نفوسهم.
وفى الختام نقول أننا أردنا بهذه الجولة فى أعماق النفوس أن نوضح قضية العمل فى مجال الدعوة وأهميتها، وأن نصحح المقاييس والموازين لتكون ربانية وليست مادية دنيوية، ولنستجيب جميعا لهذا النداء يا أيها الذين آمنوا هل أدلكم على تجارة تنجيكم من عذاب أليم تؤمنون بالله ورسوله وتجاهدون فى سبيل الله بأموالكم وأنفسكم ذلكم خير لكم إن كنتم تعملون الصف.
_
الاشتراك في:
تعليقات الرسالة (Atom)
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق