الأربعاء، 2 سبتمبر 2009

الإخوان المسلمون بين الثوابت والمتغيرات


غبار المعارك لا يجب أن يحجب رؤية المقاتلين، وإلا تحول الرمي والطعن إلى رفقاء السلاح، وبدلاً من التقدم إلى الأمام قد نتقهقر إلى الخلف، ويتمزق الصف الواحد، ويصب الفعل على تنوعه ضد الأهداف المنشودة.
والمتأمل في سلوك المعارضة المصرية على خلفية التحركات الأخيرة، سيتوقف حتماً أمام ظاهرة معيبة تمثلت في تصريحات البعض وتلميحاتهم عن مواقف القوى الأخرى، وكان حظ الإخوان المسلمين هو الأوفر من الإنتقاد والتجريح.وقد يكون مرجع هذا السلوك إلى الإحساس الزائف بنشوة النصر المتولد عن تمكن قوى المعارضة من التعبير عن ذاتها في تظاهرات رمزية فرضت نفسها في الشارع المصري أخيراً، وبشرت بممارسات ديمقراطية مستقبلية على أرض الواقع.
ولكن على فصائل المعارضة أن تستوعب عدة حقائق لتتمكن من قراءة الواقع والتعامل معه بانضباط المجاهد، وحكمة الوطني الشريف الذي يرى بوضوح أهدافه المنشودة، ويأبى أن يسل سيفه لمعارك جانبية موهومة تستنفذ جهده وطاقته.
وبعيداً عن انفعالات العواطف وتوتر الهتافات، يجب أن نتفق على معطيات الواقع المصري ومنها:
· أن الإصلاح في مصر ليس سهلاً أو قريباً، ولن تحسمه تظاهرات رمزية، ويحتاج إلى استراتيجية واضحة بعيدة المدى، يتوفر لها التدريجية والواقعية بالإضافة إلى الإجماع الوطني، كضرورة لتحقيق الإصلاح المنشود والتخلص من الواقع المؤسف الذي يشوه الوجه الحضاري لمصر، ويحط من كرامة المصري.
· على قوى المعارضة أن تتجاوز حدود الفصيل الوطني، والرؤية الفكرية الخاصة إلى رحابة الهدف القومي المشترك، ويتحقق هذا بالحركة الموحدة الراشدة من المنطلقات المتفق عليها بين الجميع، والتي تمثل أجندة وطنية واحدة.
· أن الإغراق في الخصوصية، ومحاولة تحقيق مكاسب لفصيل على حساب آخر جهل بأبعاد القضية، وقراءة خاطئة للواقع الذي يفرض الآن قبل أي وقت مضى وجوب التوحد على قضية الإصلاح، والاجتماع تحت العلم المصري وحده دون سواه من الرموز والشعارات.
· أن إضعاف أي فصيل وطني، وإثارة الشبهات حول موقفه في هذه المرحلة، إضعاف لكافة الفصائل، وتجديف عكس اتجاه التيار الشعبي، وما يمكن أن يحققه من إرضاء ذاتي، لن يكون له تأثيره الإيجابي على القضية الوطنية.
· أن حجم العمل الوطني الذي تطمح إليه قوى المعارضة المصرية لن يتوقف عند حدود الإصلاح الداخلي فحسب، فالساحة العربية تفتقر إلى الدور المصري لتجاوز المحنة التاريخية، كما أن حجم التهديد الخارجي، والاستئساد الصهيوني بالمنطقة يلزم كل وطني مخلص أن يتجرد لتحقيق المجتمع المدني المؤسسي الكريم.
· أن أدب الحوار الوطني يجب أن يتحقق بين أطياف المعارضة للتحاور في نقاط الاختلاف حول الماضي، أو التوجهات الخاصة، والهويات الحزبية، لنتمكن من التحرك الواعي إلى المستقبل، وأن هذه الرؤى الخاصة، أو الممارسات السابقة قضايا فرعية لن نتفق عليها اليوم أو غداً، ومحاولة الفصل فيها اليوم وإثارتها غباء وطني يجب أن يترفع عنه الجميع.
الإخوان والمعارضة
الإخوان المسلمون التي يصفونها اليوم بالمحظورة، قطاع عريض من الشعب المصري، يمثل الشعب المصري تمثيلاً أكثر واقعية لأنه يتمدد عبر فئات الشعب المختلفة، بداية من المواطن المصري العادي، مروراً بالطبقة الوسطى الكثيفة، متوجاً بالنخب الفكرية والعلمية في كافة المجالات الحياتية المتعددة.
وإذا كان هذا هو حال كل قطاع في فصائل المعارضة الأخرى، إلا أن الحضور أو التمثيل الشعبي داخل الجسد الإخواني يوفر تميزاً خاصاً، ويشكل قوة لها أثرها الفاعل في الشارع المصري، ولها حساباتها خاصة عند السلطة الحاكمة، ولها قدرها في ميزان القوى العالمية المتربصة.
والإخوان لم يطلبوا تميزاً بين فصائل المعارضة المصرية، ولم يحقروا من شأن أحد في هذه الفصائل، بل على العكس تماماً، كانوا دائماً هدفاً لألسنة وأظافر السلطة الحاكمة الحادة، سواء من المنتسبين إلى حزبها علناً، أو العاملين لحسابها وإن علقوا شارة المعارضة.
وأثبتت الممارسات الأخيرة، في الشارع المصري، أو منتديات المعارضة وأدبياتها أنها مازالت تتعامل أحياناً مع الإخوان المسلمين بأسلوب لا يتوافق مع الرؤية الوطنية الصحيحة لطبيعة المرحلة التاريخية والتي نرى أنه من الواجب أن نعرِّف ببعض معطياتها:
أولاً: أن الإخوان المسلمون في مصر هم الفصيل الأكبر شعبية وتنظيماً وقدرة على قيادة الشارع المصري، وقيادته لتحقيق الحلم الوطني، وتتسم في ذات الوقت بالتواضع وسعة الصدر، والصبر على الطعن الأحمق واحتسابه عند الله تعالى.
ثانياً: أن الإخوان المسلمون تقدموا للمعارضة المصرية بعدة اطروحات ومبادرات للعمل الوطني المشترك، وفتحت الحوار مع كافة الفصائل لتنسيق الجهود نحو صياغة أجندة وطنية موحدة، وترسيم استراتيجية مشتركة للإصلاح والضغط على السلطة الحاكمة لنيل الحقوق المدنية والإنسانية للشعب المصري، وأجهضت غالبية هذه الجهود لهيمنة الحزب الحاكم على خيوط التحريك السياسي.
ثالثاً: أن الإخوان المسلمون يشاركون بالفعل في مجهودات الإصلاح النابضة في الشارع المصري، ولهم حضورهم التأسيسي في الكثير من المواقع النابضة بالحياة فوق أرض الوطن.
رابعاً: أن تاريخ الإخوان المسلمين خير شاهد على مواقفهم من الإستحقاقات الشعبية التي اغتصبتها السلطة العسكرية في مصر، ولعل دماء شهداءهم الأبرار، وتضحياتهم الجسام تكون خير شاهد عدل لكل متأمل منصف في تاريخ مصر الحديث.
خامساً: أن الإخوان المسلمون يرحبون بكل مخالف لهم في الرأي، لمشاركتهم هموم الوطن، ولا يجدون أدنى حرج في التعاون مع أي فصيل معارض، ولم يخدش هذا الانفتاح المغايرة في الفكر أو الدين مادامت المشاركة لصالح المجموع الوطني، ويؤكد هذا اعتمادهم مبدأ المواطنة كأساس للتعاون بين جميع المصريين.
خصوصية الإخوان
إن المزايدة على موقف الإخوان المسلمين من قضية الإصلاح لا يمكن تفسيره إلا بأنه سذاجة فكرية، أو خصومة لدودة، لأن الفكرة واضحة بجلاء في تاريخهم وأدبياتهم، كما هي ملموسة في خطواتهم وتحركاتهم.
وإذا كان صوت المعارضة ارتفع مؤخراً في السماء المصرية للمطالبة بالحقوق الشعبية، فإن الإخوان يوقنون بأنهم المستفيد الأول من هذه الحقوق، وأن قوة فصائل المعارضة لا تضعف الإخوان، وإنما تدعم رؤيتهم في وجوب التغيير القاعدي الذي يتيح للإنسان الحياة الكريمة التي تمكنه من الاختيار الحر لدينه وتوجهه الحياتي.
ولكن تبقى للإخوان خصوصيات يجب أن يراعيها المحلل لمواقف الجماعة من داخلها أو خارجها على السواء، ومن هذه الخصوصيات:
الخصوصية الأولى:
أن للإخوان منهج للتغيير مستمد من رؤية وسطية للإسلام، تربوا وتبايعوا عليه، وهو غير قابل للتدخل البشري في خطوطه العامة منذ قرأه الإمام المؤسس حسن البنا ـ رحمه الله ـ وقدمه للمسلمين عامة وللإخوان خاصة.
ويرجع هذا الثبات إلى المرجعية الإسلامية للجماعة والتي تحدد الغاية والهدف، كما تلزم بالمنهج والوسيلة.
ويقدم الإمام المؤسس حسن البنا ـ رحمه الله ـ مهمة الإخوان وما يريدون في تحديد تام ووضوح ينفي أي لبس.
(نحن نريد:
الفرد المسلم، والبيت المسلم، والشعب المسلم، والحكومة المسلمة، والدولة التي تقود الدول الإسلامية ، وتضم شتات المسلمين وتستعد مجدهم ، وترد عليهم أرضهم المفقودة، وأوطانهم المسلوبة، وبلادهم المغصوبة، ثم تحمل على الجهاد ولواء الدعوة إلى الله، حتى تسعد العالم بتعاليم الإسلام)
فالإخوان يرفضون تغيير الطفرة، أو طلاء المجتمع بقشرة إسلامية زائفة، ولا ينتهجون القفز الزمني بالثورات والانقلابات، أو الاندفاعات الغاضبة، ولا يعنيهم اسم الحاكم قدر ما يعنيهم قانون الحكم، ولا يشغلهم من هو الحزب الحاكم قدر ما يشغلهم توجه الحكومة وهوية الدولة.
فالسلطة وفق الرؤية الإسلامية وسيلة وليست غاية، أداة وليست ثمرة أو مغنماً، أداءً مخلصاً من أجل هذا الشعب وليست تميزاً فوق هذا الشعب.
ولعل الفهم الصحيح لرؤية الإخوان يفسر سر سياسة النفس الطويل، والصبر على أذى السلطات الغاشمة، لأن إزاحة طغمة حاكمة شيء، وإقامة مجتمع مؤمن بحقه الإنساني الأصيل في الحياة الحرة الكريمة، واستعداده للتضحية من أجل هذه الحياة شيء آخر. والبون شاسع بين الهدفين، بما يكفي لنفي التشابه أو الخلط بينهما.
ولعل هذا يفسر أيضاً للناس سر عدم تعجلهم للتغيير، أو تضييعهم ـ من وجهة نظر الآخرين ـ لما عدوه بعض الفرص التاريخية للحكم، أو التحكم في خصومهم الألداء.
إذاً فالإخوان لا يسعون لتغيير السلطة فحسب، وإنما يجاهدون لتفعيل الشعب
وهذه الرؤية الإخوانية هي الفهم الوسطي للأطر السياسية العامة في الإسلام.
فحجم الكراهية المتفجر في صدورنا من السلطة الغاشمة التي سلبت الشعب حقوقه لأكثر من نصف قرن من الزمان لا يجب أن يكون المتحكم الوحيد في زاوية الرؤية الشعبية، لأن تغيير السلطة وحده لا يضمن الحياة الكريمة، والنظام المدني الراقي لا يكفي لحمايته الدستور والقانون، ويبقى الضمان الوحيد في الشعب اليقظ الواعي بحقوقه.
إن الشعب الغاضب فقط لن يتمهل لاستيعاب الحقائق مادام مقتنعاً بأن راحته في التخلص من الوجوه الكريهة التي احتقرته وألجأته الصمت والبقاء خارج دائرة الفعل والحركة هذه الحقبة الزمنية.
لذا على المعارضة المصرية أن تستوعب هذه الحقيقة، وتسمو فوق الحركة العاطفية لتسمح للفعل العقلاني بالمرور في مجراه الطبيعي.
ولا يعني هذا أن الإخوان يرحبون ببقاء السلطة المتفردة بالحكم، لأنهم ببساطة أكثر المصريين تضرراً من بقائها وهيمنتها على مؤسسات الدولة، وإنما ينبه الإخوان على أهمية الاتفاق على أولويات الحركة الوطنية التي سينطلق منها صياغة مستقبل مصر الحديثة.
وبقدر أهمية هذه الحقيقة لقوى المعارضة، تتضاعف أهمية جلائها في قلب وعقل الصف الإخواني، الذي عليه أن يقتنع بأن قيادته لا تدفع به لمجرد تغيير السلطة، وإنما توجهه لأمانة القيادة الشعبية، وأن معركته الحقيقية في الشارع المصري وليست مع السلطة الحاكمة، وأن التفاف الجماهير حول الفكرة الإسلامية، وقناعتهم بأنها الحل الناجع للأزمة المخزية التي يعانون منها، وأن الاطمئنان إلى هوية الدولة وتوجه الحكومة ودستورها الحاكم بعد التغيير أهم من التغيير ذاته.
والإخوان يهدفون بتحريك الصف الإخواني إلى تفعيل الشارع المصري، ولا تعتبر حركة الصف الإخواني بديلاً أو نيابة عن جماهير الشعب المصري.
وهو ما يفسر حكمة الإخوان في التعامل مع الأحداث دون تأثر بضغوط فصائل المعارضة المحرضة والمستفزة أحياناً، أو الضغوط الداخلية من صفوف الإخوان والتي تستعجل التحرك في اتجاه التغيير بطريقة جماعات المعارضة الصغيرة، وذلك لسوء قراءة معطيات الواقع، أو لوقوعها تحت تأثير العاطفة، أو الغيرة من حركة المعارضة مع ثبات الإخوان حسب ما يبدو من ظاهر الأمر.
فالإخوان أعقل من أن يتورطوا في مواجهة بغير استعداد، أو الفرحة بكسب مواقف على حساب الثوابت المستقاة من الشريعة الغراء التي تبايع الإخوان على انتهاجها ونصرتها.
الخصوصية الثانية:
أن حركة الإخوان في الشارع المصري تغاير تمام المغايرة حركة قوى المعارضة الأخرى لعدة عوامل منها:
§ أن رد الفعل الحكومي من حركة الإخوان المسلمين في الشارع المصري سيكون حتماً عنيفاً، وهو تفسير طبيعي لموقف السلطة التي ترفض الاعتراف بوجود الإخوان، بل وتنفي أن في مصر ما يسمى بالإخوان المسلمين، ويحرص الخطاب الحكومي ـ الناطق باسمها أو وسائل إعلامها ـ على وصف الإخوان بالجماعة المحظورة.
§ خلفيات الفعاليات الشعبية المنتفضة في أكثر من بقعة جغرافية ـ في العالم العربي أو شمال آسيا تشكل مصدراً متجدداً للقلق الحكومي، ويعلل الهلع الحكومي من أي تجمع شعبي ـ حتى لو كان جنازة ـ (جنازة الفنان أحمد زكي)، ويبرر الحرص على التواجد الشرطي المكثف إلى حد المبالغة المثيرة أمام أعداد قليلة من المواطنين العزل من أي سلاح سوى الكلمة المنطوقة أو اللافتة المرفوعة.
§ حالة الاحتقان أو الغليان الكامنة في الشارع المصري، وارتعاب السلطة من انفجارها بمجرد التلامس مع قيادة جريئة، تلزم السلطة المهيمنة الحذر من فتح أي ثقب في جدارها التي حبست وراءه حقوق الشعب لأنه سيكون بمثابة النقب في قلعة الدكتاتورية الحصينة.
§ رصيد الإخوان كقوة لها قبولها عند المواطن المصري، وقدرتها التنظيمية على التجميع والتحريك بأعداد كبيرة، وفي التوقيتات التي تريدها يفرض سيناريو وحيد لا يسمح باحتمالات متعددة، أو بدائل أخرى أمام السلطة لمواجهة حركة الإخوان، والحيلولة دون حشدهم في الشارع المصري.
§ أن حركة الإخوان في الشارع المصري يجب أن تكون مدروسة بحسابات دقيقة، وبأسلوب تصاعدي، وبخطاب منضبط وواضح وصريح، حركة عاقلة تتميز بالقوة وتتحلى بالشجاعة.
وتلك الحركة الآمنة هي العاصم الوحيد من التورط في فعل حماسي أرعن يلقي بالصف الإخواني في طاحونة الدولة البوليسية الرهيبة التي لن تتورع عن أي فعل أحمق للحفاظ على السلطة.
والتعويل على الرأي العام، أو القوى العالمية ضرب من الوهم، فالقوى العالمية حددت موقفها سلفاً من الإخوان وبالتحديد منذ مؤتمر فايد سنة 1948.
وإن كان هذا لن يمنعها من استغلال الهمجية البوليسية للابتزاز والتركيع والادعاء الكاذب بالاهتمام بنشر الديمقراطية، وحماية حقوق الإنسان. كما أن التعويل على الشارع المصري لن يكون صواباً، لأن استقراء الأحداث، يؤكد أن رد الفعل الجماهيري لن يكون مؤثراً، لأنه مازال في طور الاحتباس الصدري الذي لا يغادره إلا في زفرة ضيق، أو حديث نفس غاضبة.
فالمواطن المصري يعاني أثر الحرمان السياسي، وقهر الأحكام العرفية، ويجهل الكثير من أبنائه أن لهم حقوقاً مدنية واجتماعية ومواطنية وإنسانية، وأن الكثير أيضاً من أبناء هذا الشعب عاشوا وماتوا دون أن يمارسوا هذه الحقوق، وأن هناك جيلاً آخر قارب أوشك أن يدفن في التراب الوطني ولم ينعم بها فوقه.
كل هذا وغيره من شأنه تخليق هاجس قوي لدى السلطة الحاكمة من حركة الإخوان في الشارع المصري.
وتظاهرة الأحد 27/3/2005 ـ مع رمزيتها بالنسبة للتواجد الإخواني ـ تؤكد أن النظام لن يسمح للإخوان بالتظاهر في الشارع ـ خاصة الأماكن الكثيفة سكانياً ـ ليقينه بأن الإخوان هم القناة الآمنة لتدفق التيار الشعبي.
فالسلطة تسمح بل وقد تشجع التظاهرات الصغيرة التي تنبض في الشارع المصري، والتي تنظمها بعض رموز النخبة الوطنية، وتتجاوز عن لهجتها الخطابية الحادة، وانتقادها المثير للسلطة والقيادة السياسية، لأنها فقيرة إلى هذه المظاهر التعبيرية الديمقراطية لتجميل وجهها الشائه، واستغلالها لإيهام العالم بأن في مصر ديمقراطية حقيقية تسمح بتعدد الآراء، وتتيح حرية التعبير.
ولذلك فإن أهم ثمار تظاهرة الأحد 27/3/2005 فضح السلطة الحاكمة في مصر، وإظهار حقيقتها الديكتاتورية، وإصرارها على وأد كل تحرك مؤثر في الشارع المصري، وعدم ممانعتها في ممارسة لعب دور الحكومة البوليسية أمام العالم علناً من أجل البقاء في السلطة دون أدنى اعتبار لحقوق الشعب أو سمعته العالمية.
الخصوصية الثالثة:
أن حركة الفرد تختلف عن حركة الجماعة، وأن حسابات الفئة القليلة تختلف عن الجماعة التي تتمتع بتمدد جماهيري عبر مساحة الوطن، وأن الفرد الذي يمثل نفسه يمكنه أن يخلع ثيابه في ميدان عام ويتصرف وفق ما يحلو له، أما الجماعة فحركتها محكومة بصالح أبنائها، وأمانة مسئولية القيادة تقتضي الإعداد الجيد، والدراسة الواعية قبل القرار والخطوة.
وإذا كان الإسلام يحفزنا على الإنكار على الطغاة، فيعد من يأمر السلطان الجائر بالمعروف وينهاه عن المنكر بمنزلة سيد الشهداء حمزة إن قتلته اليد الجائرة.
فإنه ليس من الصواب إسقاط النص النبوي على الجماعة، فهو نص يخاطب الفرد المسلم، وعمل يرغب فيه الفرد المسلم. قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
"سيد الشهداء حمزة، ورجل قام إلى سلطان جائر فأمره ونهاه فقتله"
فالتوجيه النبوي الشريف إلى رجل وليس إلى جماعة أو أمة، رجل يقف بشجاعة ليضرب المثل في إعلان الحق، ليكون قدوة للجماعة المؤمنة، فإن قتل كان دمه ثمناً لإحياء قيم الإسلام التي حجبها الطاغية، ودفع المجتمع إلى الحركة الواعية الرافضة لتجاوز منهج الله.
فالإسلام يحض الفرد على الفعل، ويحفزه بدرجة الشهداء عند الموت، ولكنه لا يجيز ذات الفعل للجماعة التي يتربص بها أعداءها لفرص التشويه والاستئصال.
ولذلك فإن حسابات المواقف الإخوانية وتقييمها، لا يجب أن يقفز فوق هذه الخصوصيات، أو يتجاهل معطيات الواقع، وإنما يجب أن يكون منصفاً وعادلاً وحذراً من الإساءة لقوة جماهيرية لها تاريخها الناصع، وجهادها المشرف، وتضحياتها الجسام، من أجل استحقاقات هذا الشعب، ورفعة هذه الأمة.